فسخ العقد

من المقرر انه في العقود الملزمة لجانبين فانه يجب تنفيذ العقد طبقا لما اشتمل عليه وبطريقة تتفق بما يوجبه حسن النية ولكن اذا ما اخل احد طرفيه بتنفيذ التزامه قبل الطرف الاخر فانه يجوز في هذه الحالة طلب الفسخ والذي قد يكون بحكم القاضي او باتفاق المتعاقدين او قد ينتهي بحكم القانون وهو ما يسمي بالانفساخ

أولا: الفسخ بحكم القضاء

شروط المطالبة بالفسخ

نصت المادة 157 من القانون المدني الجديد على ما يأتي

” 1 – في العقود الملزمة للجانبين ، إذا لم يوف أحد المتعاقدين بالتزامه جاز للمتعاقد الأخر بعد أعذاره المدين أن يطالب بتنفيذ العقد أو بفسخه ، مع التعويض في الحالتين إن كان له مقتض ” .

” 2 – ويجوز للقاضي أن يمنح المدين أجلا إذا اقتضت الظروف ذلك ، كما يجوز له أن رفض الفسخ إذا كان ما لم يوف به المدين قليل الأهمية بالنسبة إلى الالتزام في جملته”

وطبقا لهذا النص فانه يشترط حتي يمكن المطالبة بفسخ العقد أولا: ان يكون العقد ملزما للجانبين وثانيا: الا يقوم احد المتعاقدين بتنفيذ التزامه وثالثا: ان يكون المتعاقد الاخر الذي يطلب الفسخ مستعدا للقيام بتنفيذ التزامه

فيجب أولا –حتي يمكن المطالبة بفسخ العقد- ان يكون العقد ملزما للجانبين

أما العقود التي لا يمكن أن تكون إلا ملزمة لجانب واحد ، كالوديعة والكفالة إذا كانتا بغير أجر والهبة إذا كانت بغير عوض فهي لا يمكن تصور الفسخ فيها فإن طرفاً واحداً هو الملتزم ، فإذا لم يقم بتنفيذ التزامه لم يكن للطرف الآخر أية مصلحة في طلب الفسخ إذ ليس في ذمته أي التزام يتحلل منه بالفسخ بل مصلحته هي في أن يطلب تنفيذ العقد .

اما الشرط الثاني فهو الا يكون الفسخ إلا إذا لم يقم أحد المتعاقدين بتنفيذ التزامه

ويجب ان يكون عدم تنفيذ العقد راجعا الي فعل المدين اما اذ كانت استحالة التنفيذ ترجع لسبب اجنبي فان الالتزام ينقضي وينفسخ العقد بقوة القانون

ويستوي في ذلك ان يكون عدم التنفيذ بفعل المدين او انه لم يقم بالتنفيذ ففي هذه الحالة يجوز للدائن ان يطالب بفسخ العقد والتعويض ان كان له مقتض

كما يجوز للدائن المطالبة بالفسخ اذا كان عدم التنفيذ جزئيا او كان التنفيذ معيبا لانه يأخذ حكم عدم التنفيذ الجزئي وللقاضي هنا سلطة تقديرية في نظر طلب الفسخ فان رأي ان المتبقي من التنفيذ لا يبرر الفسخ قضي بالتعويض او ان يعطي المدين مهلة لتكملة التنفيذ

اما الشرط الثالث فهو الا يكون الفسخ إلا إذا كان الدائن مستعداً للقيام بالتزامه وقادراً على إعادة الحال إلى أصلها

أما إذا استحال على الدائن تنفيذ التزامه لسبب أجنبي فإن العقد ينفسخ بحكم القانون انفساخه فيما إذا كانت الاستحالة في جانب المدين.

ولما كان فسخ العقد من شأنه أن يعيد الشيء إلى أصله ، فلا بد للحكم بالفسخ أن يكون الدائن الذي يطلب ذلك قادراً على رد ما أخذ . فإذا كان قد تسلم شيئاً بمقتضى العقد ، وباعه من آخر ، فالتزامه بالضمان يحرمه من حق المطالبة بالفسخ ، لأنه لا يستطيع أن بنزع الشيء من يد المشترى ليرده إلى من تعاقد معه إذ في هذا إخلال بالتزام الضمان.

أما إذا كان المدين هو الذي استحال عليه أن يرد الشيء إلى أصله ، فإن ذلك لا يمنع من الفسخ ، ويقضي على المدين في هذه الحالة بالتعويض ( م 160 )

ثانيا: إجراءات طلب الفسخ

  1. إعذار المدين : قضت الفقرة الأولى من المادة 157 بأن الدائن ، حتى يطالب بفسخ العقد ، يعذر المدين مطالباً إياه بالتنفيذ . ولم يكن في القانون القديم نص على الإعذار ، ومع ذلك كانت بعض المحاكم تقضي بضرورته على أن مجرد رفع الدعوى بالفسخ يعد إعذارا

    وإعذاراً الدائن للمدين قبل المطالبة بالفسخ له على كل حال أهمية عملية نظهر في أمرين : ( 1 ) يجعل القاضي أسرع استجابة لطلب الفسخ . ( 2 ) ويجعله أقرب إلى الحكم على المدين بتعويض فوق الحكم بالفسخ

    ويلاحظ أنه لا ضرورة لاعذار المدين قبل المطالبة بالفسخ إذا صرح المدين كتابة أنه لا يريد القيام بالتزامه، أو إذا أصبح تنفيذ الالتزام غير ممكن أو غير مجد بفعل المدين بأن كان التنفيذ قد فات ميعاده أو بأن كان الالتزام هو امتناع عن عمل شيء وعمله المدين ( م 200 ) .

    • صدور حكم بالفسخ : ولابد من رفع دعوى وصدور حكم بفسخ العقد . ونص المادة 157 من القانون الجديد صريح في هذا المعنى ، وقضاء المحاكم في عهد القانون القديم مضطرد في وجوب صدور حكم بالفسخ
    • الخيار بين الفسخ والتنفيذ : فإذا ما رفع الدائن دعوى الفسخ ، فإن الحكم بالفسخ لا يكون حتمياً ، بل يكون هناك خيار بين الفسخ والتنفيذ . وهذا الخيار يكون لكل ، الدائن والمدين والقاضي .

    فالدائن بعد أن يرفع دعوى الفسخ له أن يعدل ، قبل الحكم ، عن طلب الفسخ إلى طلب التنفيذ . كما أنه إذا رفع دعوى التنفيذ فله أن يعدل عنه إلى الفسخ . على أنه لا يجوز الجمع بين الفسخ والتنفيذ في طلب واحد  كل هذا ما لم يكن قد نزل عن أحد الطلبين ، ولا يعتبر مجرد رفعه الدعوى بطلب منهما نزولا منه على الطلب الآخر

    وللمدين كذلك ، قبل النطق بالحكم النهائي ، أن ينفذ التزامه فيتجنب الفسخ. ولا يبقى في هذه الحالة إلا أن يقدر القاضي ما إذا كان هناك محل للحكم بتعويض للدائن عن تأخر المدين في تنفيذ التزامه . ومما يساعد على الحكم بالتعويض أن يكون الدائن قد أعذر المدين قبل رفع الدعوى ، وقد سبت الإشارة إلى ذلك .

    كذلك القاضي ليس محتماً عليه أن يحكم بالفسخ . بل إن له في ذلك سلطة تقديرية . فقد يحكم بالفسخ إذا رأى الظروف تبرر ذلك . وقد لا يحكم به ويعطي المدين مهلة لتنفيذ التزامه. وتنص الفقرة الثانية من المادة 157 على هذا الحكم صراحة إذ تقول : ” ويجوز للقاضي أن تمنح المدين أجلا إذا اقتضت الظروف ذلك ، كما يجوز له أن رفض الفسخ إذا كان ما لم يوف به المدين قليل الأهمية بالنسبة إلى الالتزام في حملته ” . ومما يحمل القاضي على الحكم بالفسخ أن يتضح له تعمد المدين عدم التنفيذ أو إهماله في ذلك إهمالا واضحاً رغماً من إعذار الدائن له قبل رفع الدعوى . ومما يحمله على استبقاء العقد أن يكون ما لم يوف به المدين قليل الأهمية بالنسبة إلى الالتزام في جملته كما يقول النص. ومما يحمله على إعطاء المدين أجلاً للتنفيذ أن يكون للمدين عذر في تأخره عن التنفيذ ، أو أن يكون الدائن لم يصبه إلا ضرر بسيط من جراء هذا التأخر، أو أن يكون الضرر الذي أصاب الدائن إنما نجم عن فعله هو لا عن فعل المدين. ولا يمنع القاضي أن يعطي مهلة للمدين أن يكون الدائن قد اعذره قبل رفع الدعوى. وإذا أعطى المدين مهلة وجب عليه القيام بتنفيذ الالتزام في غضونها وليس له أن يتعداها ، بل ليس للقاضي أن يعطيه مهلة أخرى ويعتبر العقد مفسوخاً من تلقاء نفسه بعد انقضاء المهلة حتى لو لم ينص القاضي في حكمه على ذلك. وهذا بخلاف الأجل الذي يمنحه القاضي في دعوى التنفيذ ، فإنه يجوز للقاضي في هذا الصدد – طبقاً للفقرة الثانية من المادة 346 – في حالات استثنائية إذا لم يمنعه نص في القانون ، أن ينظر المدين إلى أجل معقول أو آجال ينفذ فيها التزامه إذا استدعت حالته ذلك ولم يلحق الدائن من هذا التأجيل ضرر جسيم

    • تقادم دعوى الفسخ : ودعوى الفسخ ليست لها مدة خاصة تتقادم بها . فتقادمها إذن يكون بخمس عشرة سنة من وقت ثبوت الحق بالفسخ ، ويكون ذلك عادة عند الإعذار ، طبقاً للقواعد العامة في التقادم المسقط . وهذا بخلاف دعوى الإبطال ، فقد رأينا إنها تتقادم بثلاث سنوات أو بخمس عشرة سنة على حسب الأحوال

    ما يترتب على الفسخ من اثر

    نصت المادة 160 من القانون المدني على ما يأتي :

    ” إذا فسخ العقد أعيد المتعاقدان إلى الحالة التي كانا عليها قبل العقد ، فإذا استحال ذلك جاز الحكم بالتعويض”

    ويلاحظ أن هذا النص عام ، يبين ما يترتب على الفسخ من اثر ، سواء كان الفسخ بحكم القاضي أو بحكم الاتفاق أو بحكم القانون . ويتبين من النص أيضاً أنه إذا حكم القاضي بفسخ العقد فإن العقد ينحل ، لا من وقت النطق بالحكم فحسب ، بل من وقت نشوء العقد . فالفسخ له اثر رجعي ، ويعتبر العقد المفسوخ كأن لم يكن ، ويسقط أثره حتى في الماضي . وإذا كان هذا مفهوماً في الفسخ بحكم الاتفاق أو بحكم القانون ، حيث يقتصر الحكم على تقرير أن العقد مفسوخ ولا ينشيء الفسخ . فإنه أيضاً مفهوم في الفسخ بحكم القاضي ولو أن الحكم هنا منشيء للفسخ لا مقرر له . ولا يوجد ما يمنع من أن يكون الحكم منشئاً للفسخ وأن يكون له اثر رجعي ، فالحكم بالشفعة حكم منشيء ولكنه ينقل ملكية العقار المشفوع فيه من وقت البيع لا من وقت النطق بالحكم .

    والحكم بالفسخ له هذا الأثر الرجعي فيما بين المتعاقدين وبالنسبة إلى الغير .

    اثر الفسخ فيما بين المتعاقدين : ينحل العقد ويعتبر كأن لم يكن . وتجب إعادة كل شيء إلى ما كان عليه قبل العقد .

    فإذا كان العقد بيعاً وفسخ ، رد المشتري المبيع إلى البائع ، ورد البائع الثمن إلى المشتري . ويرد المبيع بثمراته والثمن بفوائده القانونية ، وذلك كله من وقت المطالبة القضائية طبقاً للقواعد العامة . واسترداد كل متعاقد لما أعطاه إنما يكون على أساس استرداد ما دفع دون حق ، كما رأينا في البطلان ويسترد المتعاقد ما أعطاه لا ما يقابله.

    وإذا بنى المشتري أو غرس في العين المبيعة طبقت القواعد العامة ( م 924 – 925 ) ، ويعتبر المشتري في هذا الخصوص حسن النية أو سيئها تبعاً لما إذا كان الفسخ حكم به له أو عليه.

    وإذا هلك المبيع ، وكان المشتري هو الذي يطالب بالفسخ ، لم يجب إلى طلبه إذ تتعذر عليه إعادة الشيء إلى أصله كما قدمنا ، ولكنه يستطيع المطالبة بتعويض على أساس المسئولية العقدية . أما إذا كان البائع هو الذي يطالب بالفسخ ، وهلك المبيع في يد المشتري ، فإن كان الهلاك بخطأ المشتري حكم عليه بالتعويض ، وقد قضت المادة 160 بأنه إذا استحال الرد حكم بالتعويض كما رأينا . فإذا كان الهلاك بسبب أجنبي ، وطبقت قواعد دفع غير المستحق في هذه الحالة كما طبقناها في حالة البطلان ، وجب القول بأن المشتري وقت أن تسلم المبيع ، والعقد قائم لم يفسخ ، كان حسن النية ، فلا يكون مسئولا عن هلاك المبيع إلا بقدر ما عاد عليه من منفعة ، كما إذا انتفع بأنقاض منزل في بناء منزل آخر . وللبائع أن يسترد الشيء التالف في الصورة التي آل إليها دون أن يتقاضى تعويضاً عن التلف . غير أنه لا يتصور أن البائع يبقى على طلب الفسخ بعد أن يعلم أن المبيع قد هلك بسبب أجنبي ، فخير له في هذه الحالة أن يستبقى البيع ، فيطالب بالثمن ، وبذلك يتحمل المشتري تبعة الهلاك.

    وللدائن الذي أجيب إلى فسخ العقد أن يرجع بالتعويض على المدين إذا كان عدم قيام المدين بتنفيذ التزامه راجعاً إلى خطئه ، لإهمال أو تعمد. والتعويض هنا يبني على المسئولية التقصيرية لا المسئولية العقدية ، فإن العقد بعد أن فسخ لا يصلح أن يكون أساساً للتعويض ، وإنما أساس التعويض هو خطأ المدين ، ويعتبر العقد هنا واقعة مادية لا عملا قانونيناً كما في البطلان . أما العاقد الذي لم يقم بتنفيذ التزامه فليس له أن يطالب بالتعويض. وإذا كان ما طلبه الدائن هو تنفيذ العقد لا فسخه ، جاز الحكم له بالتعويض على أساس المسئولية العقدية كما قدمنا ، لأن العقد في هذه الحالة بقى قائماً ولم يفسخ . فيصح إذن للدائن أن يحصل على تعويض ، إما مع بقاء العقد على أساس المسئولية العقدية ، وإما بعد فسخ العقد على أساس المسئولية التقصيرية . وهذا هو ما عنته الفقرة الأولى من المادة 157 حين قضت بان اللدائن أن يطالب بتنفيذ العقد أو بفسخه ” مع التعويض في الحالتين إن كان له مقتض ” .

    وإذا كان العقد زمنياً ، كالإيجار ، وفسخ ، لم يكن لفسخه اثر رجعي ، لأن طبيعة العقود الزمنية تستعصى على هذا الأثر . ذلك أن العقد الزمني يقصد الزمن فيه لذاته ، فالزمن معقود عليه ، وما انقضى منه لا يمكن الرجوع فيه. ويترتب على ذلك أن المدة التي انقضت من عقد الإيجار قبل فسخه تبقى محتفظة باثارها ، ويبقى عد الإيجار قائماً طول هذه المدة ، ويعتبر العقد مفسوخاً من وقت الحكم النهائي بفسخه لا قبل ذلك . وتكون الأجرة المستحقة اعن المدة السابقة على الفسخ لها صفة الأجرة لا التعويض ، فيبقى لها ضمان امتياز المؤجر.

    • اثر الفسخ بالنسبة إلى الغير : ينحل العقد بالنسبة إلى الغير بأثر رجعي أيضاً . فإذا كان العقد بيعاً ، وباع المشتري العين إلى مشتر ثان أو رتب عليها حقاً عينياً كحق إرتفاق أو حق انتفاع ، ثم طالب البائع بفسخ البيع وأجيب إلى طلبه ، رجعت العين إليه خالية من هذه الحقوق .

    على أنه يجب ، للوصول إلى هذه النتيجة ، تسجيل دعوى الفسخ على غرار تسجيل دعوى البطلان . وقد نصت المادة 15 من قانون الشعر العقاري على أنه ” يجب التأشير في هامش سجل المحررات واجبة الشهر بما يقدم ضدها من الدعاوى التي يكون الغرض منها الطعن في التصرف الذي تضمنه المحرر وجوداً أو صحة أو نفاذاً ، كدعاوى البطلان أو الفسخ أو الإلغاء أو الرجوع . فإذا كان المحرر الأصلي لم يشهر تسجل تلك الدعاوى ” . وتنص المادة 17 من هذا القانون على أنه ” يترتب على تسجيل الدعاوى المذكورة بالمادة الخامسة عشرة أو التأشير بها أن حق المدعى إذا تقرر بحكم مؤشر به طبق القانون يكون حجة على من ترتبت لهم حقوق عينية ابتداء من تاريخ تسجيل تلك الدعاوى أو التأشير بها . ولا يكون هذا الحق حجة على الغير الذي كسب حقه بحسن نية قبل التأشير أو التسجيل المشار إليهما ” .

    ويتبين من ذلك أن الغير إذا تلقى حقاً عينياً بعد تسجيل دعوى الفسخ أو التأشير بها ، فإن حقه يزول بفسخ العقد ، سواء كان سيء النية أو حسنها . أما إذا تلقى الحق العيني قبل تسجيل دعوى الفسخ أو التأشير بها، بأي سبب من أسباب كسب الحقوق العينية ، فإن حقه يزول إذا كان سيء النية ، ويبقى إذا كان حسن النية

    وقد ورد نص خاص لمصلحة الدائن المرتهن رهناً رسمياً ، هو المادة 1034 ، وتقضي بأنه ” يبقى قائماً لمصلحة الدائن المرتهن الرهن الصادر من المالك الذي تقرر إبطال سند ملكيته أو فسخه أو إلغاؤه أو زواله لأي سبب آخر ، إذا كان هذا الدائن حسن النية في الوقت الذي ابرم فيه الرهن ” . ويعتبر هذا النص تطبيقاً خاصاً للقاعدة العامة التي وردت في المادة 17 من قانون الشهر العقاري .

ولا تعارض في هذه الحالة بين إعذار الدائن المدين وتكليفه بالتنفيذ ، وبين المطالبة بفسخ العقد بعد ذلك . فإن الإعذار لا يعتبر تنازلا عن المطالبة بفسخ العقد ، بل هو شرط واجب لرفع دعوى الفسخ

  • الاتفاق على أن يكون العقد مفسوخاً من تلقاء نفسه دون حاجة إلى حكم : وهذا الشرط معناه أن فسخ العقد يقع من تلقاء نفسه إذا اخل المدين بالتزامه . فلا حاجة لرفع دعوى بالفسخ ولا لحكم ينشيء فسخ العقد . وإنما ترفع الدعوى إذا نازع المدين في أعمال الشرط وادعى أنه قام بتنفيذ التزامه . فيقتصر القاضي في هذه الحالة على التحقق من أن المدين لم ينفذ التزامه . فإذا تحقق من ذلك حكم بالفسخ ، ولكن حكمه يكون مقرراً للفسخ لا منشئاً له .

ولا يعفى الشرط من إعذار المدين . فإذا أراد الدائن إعمال الشرط ، وجب عليه تكليف المدين بالوفاء فإذا لم يقم المدين بتنفيذ التزامه بعد هذا الإعذار ، انفسخ العقد من تلقاء نفسه على النحو الذي بيناه فيما تقدم .

على أنه لا شيء يمنع الدائن من مطالبة المدين بتنفيذ العقد بدلا من فسخه ، فإن الفسخ لا يقع من تلقاء نفسه إلا إذا أراد الدائن ذلك ، ويبقى هذا بالخيار بين الفسخ والتنفيذ

  • الاتفاق على أن يكون العقد مفسوخاً من تلقاء نفسه دون حاجة إلى حكم أو إنذار : وهذا هو أقصى ما يصل إليه اشتراط الفسخ من قوة . وفي هذه الحالة يكون العقد مفسوخاً بمجرد حلول ميعاد التنفيذ وعدم قيام المدين به دون حاجة إلى إعذار المدين ، ولا إلى حكم بالفسخ إلا ليقرر أعمال الشرط على النحو الذي بيناه فيما تقدم ، ويكون الحكم إذن مقرراً للفسخ لا منشئاً له. وهذا هو الحكم أيضاً فيما إذا اتفق على أن يكون العقد مفسوخاً من تلقاء نفسه دون حاجة إلى إنذار. والاتفاق على الإعفاء من شرط الإعذار يجب أن يكون صريحاً ، كما يقضي نص المادة 158 ، فلا يجوز أن يستخلص ضمناً من عبارات العقد لما ينطوي عليه من خطورة بالنسبة إلى المدين .

ويلاحظ هنا أيضاً أن الشرط لا يمنع الدائن من طلب تنفيذ العقد دون فسخه ، وإلا كان تحت رحمة المدين ، إذا شاء هذا جعل العقد مفسوخاً بامتناعه عن تنفيذ التزامه . ويترتب على ذلك أن العقد لا يعتبر مفسوخاً إلا إذا اظهر الدائن رغبته في ذلك ، ولا يقبل من المدين التمسك بالفسخ إذا كان الدائن لم يتمسك به

  • ما يترتب على الفسخ الاتفاقي من اثر : ذكرنا فيما تقدم أن نص المادة 160 هو نص عام يبين ما يترتب على الفسخ من اثر ، سواء كان الفسخ بحكم القاضي أو باتفاق المتعاقدين أو بمقتضى القانون .

فإذا فسخ العقد بحكم الاتفاق ، في أية صورة من الصور التي تقدم ذكرها ، سواء كان الفسخ بحكم منشئ أو بحكم مقرر أو بغير حكم أصلاً ، أعيد المتعاقدان إلى الحالة التي كانا عليها قبل العقد ، فإذا استحال ذلك جاز الحكم بتعويض ( م 160 ) .

وينحل العقد باثر رجعي، سواء فيما بين المتعاقدين أو بالنسبة إلى الغير ، وذلك فيما عدا العقود الزمنية ، كل هذا على التفصيل الذي تقدم بيانه عند الكلام في اثر الفسخ بحكم القاضي .

ثالثا: الفسخ بحكم الاتفاق

نصت المادة 158 من القانون المدني على ما يأتي :

” يجوز الاتفاق على أن يعتبر العقد مفسوخا من تلقاء نفسه دون حاجة إلى حكم قضائي عند عدم الوفاء بالالتزامات الناشئة عنه ، وهذا الاتفاق لا يعفي من الأعذار ، إلا إذا اتفق المتعاقدان صراحة على الإعفاء منه”

  • متى يكون الاتفاق على الفسخ – التدرج في هذا الاتفاق : قد يتفق المتعاقدان على فسخ العقد عند إخلال أحد المتعاقدين بالتزامه . فإذا تم هذا الاتفاق بعد أن يخل المتعاقد بالتزامه فعلا – ويقع ذلك غالباً في ثنايا إجراءات التقاضي بأن يرفع الدائن دعوى الفسخ فيعلنه المدين بقبول الفسخ قبل صدور حكم في الدعوى – كان هذا بمثابة تقايل ذى اثر رجعي. ويحل الاتفاق في هذه الحالة محل الحكم وله أثره ، ما لم يكن هناك تواطؤ بين المتعاقدين للإضرار بحقوق الغير . ولكن الغالب في العمل أن المتعاقدين يتفقان على الفسخ مقدماً وقت صدور العقد .

وقد اظهر العمل أن المتعاقدين يتدرجان في اشتراط الفسخ وقت صدور العقد . فأدنى مراتب هذا الشرط هو الاتفاق على أن يكون العقد مفسوخاً إذا لم يقم أحد المتعاقدين بتنفيذ التزاماته ، وقد يزيدان في قوة هذا الشرط بأن يتفقا على أن يكون العقد مفسوخاً من تلقاء نفسه . بل قد يتدرجان في القوة إلى حد الاتفاق على أن يكون العقد مفسوخاً من تلقاء نفسه دون حاجة إلى حكم . ثم قد يصلان إلى الذروة فيتفقان على أن يكون العقد مفسوخاً من تلقاء نفسه دون حاجة إلى حكم . ثم قد يصلان إلى الذروة فيتفقان على أن يكون العقد مفسوخاً من تلقاء نفسه دون حاجة إلى حكم أو إنذار أو دون حاجة إلى إنذار .

ونبحث الآن في حكم كل شرط من هذه الشروط

  • الاتفاق على أن يكون العقد مفسوخاً : حكم هذا الشرط يتوقف على نية المتعاقدين . فقد يكونان أرادا به تحتيم الفسخ إذا اخل المدين بالتزامه ، فيتحتم على القاضي في هذه الحالة أن يحكم بالفسخ . ولكن هذا لا يغني عن رفع الدعوى بالفسخ ولا عن الإعذار.

إلا أنه من الصعب استخلاص نية كهذه من مجرد ورود شرط على هذا النحو . والغالب أن المتعاقدين لا يريدان بمثل هذا الشرط إلا أن يقررا في ألفاظ صريحة القاعدة العامة المتعلقة بالفسخ لعدم التنفيذ . وعلى ذلك لا يغني الشرط عن الإعذار ، ولا عن الالتجاء للقضاء للحصول على حكم بالفسخ ، ولا يسلب القاضي سلطته التقديرية ، فلا يتحتم عليه الحكم بالفسخ ، وله أن يعطي للمدين مهلة لتنفيذ التزامه إذا وجد من الظروف ما يبرر ذلك . بل هو لا يسلب المدين حقه من توقى الفسخ بدفع الثمن إلى أن يصدر الحكم النهائي بالفسخ .

ويفسر هذا الشرط في اغلب الأحوال على أنه يسلب القاضي سلطته التقديرية ، فلا يستطيع إعطاء مهلة للمدين لتنفيذ التزامه ، ولا يملك إلا الحكم بلا فسخ . فيصبح الحكم بالفسخ محتماً كالحكم بالإبطال . ولكن الشرط لا يغني عن إعذار المدين ، ولا عن رفع الدعوى بالفسخ . ويكون الحكم منشئاً للفسخ لا مقرراً له ، كما هو الأمر في القاعدة العامة للفسخ .

 

  • مبدأ تحمل التبعة : فإذا انفسخ العقد بحكم القانون ، كانت التبعة في انقضاء الالتزام الذي استحال تنفيذه واقعة على المدين بهذا الالتزام . فهو لا يد له في استحالة التنفيذ لأن استحالة راجعة إلى سبب أجنبي ، ومع لك لا يستطيع أن يطالب الدائن بتنفيذه الالتزام المقابل . فالخسارة في نهاية الأمر تقع عليه وهو الذي يتحملها . وهذا هو مبدأ تحمل التبعة في العقد الملزم للجانبين .

ويرجع هذا إلى فكرة الارتباط ما بين الالتزامات المتقابلة في العقود الملزمة للجانبين ، وهي الفكرة التي انبنى عليها انفساخ العقد. ولو أن العقد كان ملزماً لجانب واحد ، كالوديعة غير المأجورة ، واستحال تنفيذ التزام المودع عنده لسبب أجنبي ، بان هلك الشيء في يده بقوة قاهرة فاستحال عليه رده إلى الودع ، فإن الذي يتحمل التبعة هو الدائن لا المدين . والسبب في ذلك واضح ، إذ الدائن – وهو هنا المودع – ليس في ذمته التزام يتحلل منه في مقابل تحل المدين – وهو هنا المودع عنده – من التزامه . فالدائن هو الذي يتحمل الخسارة في آخر الأمر من جراء استحالة تنفيذ التزام المدين ، وهو الذي يتحمل تبعة هذه الاستحالة.

فيمكن القول إذن بوجه عام إن المدين هو الذي يتحمل التبعة في العقود الملزمة للجانبين ، والدائن هو الذي يتحملها في العقود الملزمة لجانب واحد

  • الأثر الذي يترتب على إنفساخ العقد بحكم القانون : وإذا انفسخ العقد بحكم القانون ، ترتب على إنفساخه من الأثر ما يترتب على فسخه بحكم القاضي أو بحكم الاتفاق كما سبق القول . فيعاد المتعاقدان إلى الحالة التي كانا عليها قبل العد ( م 160 ) . ولا محل للتعويض لأن المدين قد انقضى التزامه بقوة قاهرة .
  • استحالة التنفيذ ترجع إلى سبب أجنبي : أما إذا كانت استحالة التنفيذ ترجع إلى سبب أجنبي ، فإن الالتزام ينقضي طبقاً للمادة 373 التي تقدم ذكرها ، وينفسخ العقد من تلقاء نفسه طبقاً للمادة 159. والعلة في هذا واضحة ، فقد انقضى التزام المدين لاستحالة تنفيذه بسبب أجنبي ، فلم يعد ثمة محل للمسئولية العقدية ليختار الدائن بينها وبين فسخ العقد كما كان يفعل لو أن الاستحالة لا ترجع إلى سبب أجنبي . فلم يبق إلا فسخ العقد . ولذلك نص القانون على أن العقد ينفسخ من تلقاء نفسه ولا محل هنا للاعذار لأن الإعذار لا يتصور إلا إذا كان التنفيذ لا يزال ممكناً ولأن التنفيذ لم يعد ممكناً لا يكون هناك خيار للدائن بين التنفيذ والفسخ – وقد رأينا أن هذا الخيار يثبت للدائن في جميع صور الفسخ القضائي والاتفاقي – ولا يبقى ممكناً إلا فسخ العقد . كذلك لا ضرورة لحكم قضائي بالفسخ ، فالعقد ينفسخ من تلقاء نفسه بحكم القانون كما قررنا . وإذا التجأ الدائن للقضاء فإنما يكون ذلك ليتقرر أن استحالة التنفيذ بسبب أجنبي أمر محقق – فقد يقوم نزاع في ذلك – وأن العقد قد انفسخ ، فالحكم هنا يقرر الفسخ لا ينشئه ، على النحو الذي رأيناه في بعض صور الفسخ الاتفاقي

رابعا: انفساخ العقد بحكم القانون

النصوص القانونية : نصت المادة 159 من القانون المدني على ما يأتي :

” في العقود الملزمة للجانبين إذا انقضي التزام بسبب استحالة تنفيذه انقضت معه الالتزامات المقابلة له وينفسخ العقد من تلقاء نفسه”

ويجب أن يقرا مع هذا النص نصان اخران متصلان به أوثق الاتصال، هما المادتان 373 و215 .

فالمادة 373 تنص على ما يأتي : ” ينقضي الالتزام إذا أثبت المدين أن الوفاء به أصبح مستحيلا عليه لسبب أجنبي لا يد له فيه ” .

والمادة 215 ، وقد سبق ذكرها ، تنص على ما يأتي : ” إذا استحال على المدين أن ينفذ الالتزام عينا حكم عليه بالتعويض لعدم الوفاء بالتزامه ، ما لم يثبت أن استحالة التنفيذ قد نشأت عن سبب أجنبي لا يد له فيه ” .

ويتبين من مجموع هذه النصوص أن الالتزام لا ينقضي بسبب استحالة تنفيذه إلا إذا كانت هذه الاستحالة ترجع إلى سبب أجنبي ، وأن العقد لا ينفسخ من تلقاء نفسه بحكم القانون إلا إذا انقضى الالتزام . فالعقد إذن لا ينفسخ إلا إذا استحال تنفيذ الالتزام بسبب أجنبي ، وما لم يثبت المدين هذا السبب الأجنبي بقى ملزماً بالعقد وحكم عليه بالتعويض .

ويتبين مما قدمناه أن استحالة تنفيذ الالتزام إذا لم ترجع إلى سبب أجنبي بقى المدين ملتزماً بالعقد . أما إذا رجعت الاستحالة إلى سبب أجنبي ، فإن العقد يفسخ من تلقاء نفسه بحكم القانون . وسنتعرض كلا من الحالتين .

  • استحالة التنفيذ لا ترجع إلى سبب أجنبي : إذا استحال على المدين في العقد الملزم للجانبين تنفيذ التزامه ، ولم يستطيع أن يثبت أن استحالة التنفيذ قد نشأت عن سبب أجنبي لا يد له فيه ، فإن المادة 215 تقضي كما أسلفنا بأن المدين يحكم عليه بالتعويض لعدم الوفاء بالتزامه . وهذه هي المسئولية العقدية التي فصلنا قواعدها فيما تقدم . فالمدين الذي لم ينفذ التزامه يكون قد ارتكب خطأ عقدياً ، وهو لم يثبت السبب الأجنبي فتبقى علاقة السببية مفروضة ، وبذلك تتحقق مسئوليته العقدية على أساس قيام العقد . ويتبين من ذلك أن العقد لم ينفسخ في هذه الحالة ، بل على النقيض من ذلك قد بقى وتأكد وجوده ، إذا أصبح هو الأساس للمطالبة بالتعويض .

ولكن ذلك لا يمنع من تطبيق قواعد الفسخ القضائي . فالمدائن ، وقد أصبح تنفيذ التزام المدين مستحيلا ، أن يطلب فسخ العقد لعدم وفاء المدين بالتزامه ، بدلا من أن يطلب التعويض على أساس المسئولية التقصيرية . وفي هذه الحالة لا يسع القاضي إلا أن يجيبه إلى طلبه ، إذ لا محل لإمهال المدين لتنفيذ التزامه بعد أن أصبح هذا التنفيذ مستحيلا ، فيحكم بفسخ العقد . والحكم هنا منشئ للفسخ لا مقرر له ، والعقد لم ينفسخ بحكم القانون بل فسخ بحكم القاضي .

 

هشام عبد العظيم احمد السيد

  • محام بالاستئناف العالي ومجلس الدولة
  • ماجستير في القانون الدولي جامعة عين شمس
  • مؤلف كتاب إجراءات الدعوي التحكيمية وأسباب البطلان

تواصل معنا

جميع الحقوق محفوظة لشركة | ٢٠٢٢ MK Team Solutions