تحديد القانون الواجب التطبيق على إجراءات التحكيم عند عدم الاتفاق بين الأطراف

تحديد القانون الواجب التطبيق على إجراءات التحكيم عند عدم الاتفاق بين الأطراف

أولا: خضوع إجراءات التحكيم لقانون مقر التحكيم تظهر أهمية قانون مقر التحكيم حيث ينعدم اتفاق الأطراف بشأن تحديد القانون الواجب التطبيق على الإجراءات او عدم كفاية القواعد التي اتفقوا عليها وقانون مقر التحكيم قد يكون قانون الإرادة الصريحة او الإرادة الضمنية اذ انه ليس امرا نادرا ما يحدث من اختيار الخصوم لقانون الدولة التي يجري على اقليمها التحكيم ليحكم المسائل الإجرائية رغم اختيارهم لقانون اخر ليحكم موضوع النزاع سواء بسبب ما قد يتيحه اختيار هذا القانون من تسهيلات لمهمة المحكمين وفي هذه الحالة يعد قانون مكان إجراءات التحكيم هو قانون الإرادة الصريحة للخصوم وفي بعض الحلات يجد قانون مقر التحكيم طريقه الي التطبيق باعتباره قانون الارادة الضمنية للأطراف وقد طبقت محكمة النقض المصرية هذا المفهوم في حكمها الصادر في الطعن رقم 145 لسنة 68

"إذ كان الثابت من الأوراق أن عقد الاتفاق المؤرخ سنة 1993 المتضمن شرط التحكيم المبرم بين الشركة الطاعنة والشركة المطعون ضدها قد تضمن في المادة العاشرة منه اتفاق الطرفان على حل أي خلاف بينهما ودياً عن طريق التحكيم لدى مركز القاهرة الإقليمي للتحكيم التجاري الدولي .... ويتم التحكيم وفقاً للإجراءات السائدة لدى المركز المذكور ، ويكون قرار التحكيم الصادر بالأغلبية نهائياً وملزماً للطرفين ، وللمحكمين أوسع الصلاحيات في تطبيق القوانين والأعراف التجارية ومبادئ العدالة بين الطرفين " مما مؤداه أن طرفي التحكيم قد حددا بإرادتهما القانون الواجب التطبيق على التحكيم القائم بينهما ، إذ اتجهت إرادتهما إلى تفويض هيئة التحكيم في تطبيق القانون والأعراف التجارية ومبادئ العدالة بين الطرفين وهو ما حدا بالهيئة إلى تطبيق قانون المعاملات المدنية لدولة الإمارات العربية المتحدة ، وهو قانون دولة الشركة الطاعنة باعتباره قانون الدولة التي تم فيها إبرام العقد وشرع في تنفيذه فيها . كما حدد الطرفان المسائل التي تختص هيئة التحكيم بالفصل فيها وهي جميع المنازعات والخلافات التي تثار بينهما عند تنفيذ هذا العقد. مما يكون تصدى هيئة التحكيم للفصل في الدفع بعدم الاختصاص بعد أن انتهت إلى أن عقد الاتفاق محل النزاع هو عقد مستقل عن العقد المؤرخ 1980/4/4 لاختلاف كل منهما عن الآخر من حيث أطرافه، والفصل في الموضوع بعد أن أبدى كل من الطرفين دفاعهما وتقديم مستنداتهما، وقضت بالتعويض باعتباره نزاعاً بين الطرفين نتج عن تنفيذ عقد الاتفاق المبرم بينهما فإن حكمها يكون قد جاء متفقاً مع إرادة الطرفين، ولا تكون بذلك قد جاوزت حدود ولايتها ولا يلحقه البطلان." (الطعن رقم 145 لسنة 68 جلسة 2007/05/28 س 58 ص 497 ق 87) اذ انها طبقت قانون الدولة التي اتفق على إجراءات التحكيم فيها بوصفه قانون الإرادة الضمنية على مسالة تعيين أسماء المحكمين وذلك بعد ان اشارت في حيثياتها الي وجوب تطبيق هذا القانون عملا بنص المادة 22 من القانون المدني المصري ومن المعلوم ان المادة المذكورة تتضمن قاعدة التنازع الخاصة بالإجراءات والتي تقضي بخضوعها لقانون القاضي والاصل ان الاختصاص القضائي بالإجراءات الوقتية والتحفظية ينعقد للمحكمة التي يراد اتخاذ الإجراءات في دائرة اختصاصها وفي هذا الشأن تنص المادة 34 من قانون المرافعات المصري علي انه " تختص محاكم الجمهورية بالأمر بالإجراءات الوقتية والتحفظية التي تنفذ في الجمهورية ولو كانت غير مختصة بالدعوي الاصلية" والامر بهذه الإجراءات يدخل في مجال الوظيفة الولائية للمحاكم وهي إجراءات لا تحتمل التأخير لان المقصود بها هو حماية الحقوق او الأموال المتنازع عليها بصفة مستعجلة تحول دون الاضرار بحقوق الخصوم ولهذا فان الاختصاص بهذه الإجراءات يقوم على فكرة حسن أداء العدالة والقاعدة في التشريع المصري وفقا لنص المادة 22 مدني هي انه يسري علي مسائل الإجراءات قانون البلد الذي تباشر فيه الإجراءات

تحديد إجراءات التحكيم بواسطة هيئة التحكيم

ورد في قانون التحكيم المصري في المادة 25 على انه إذا لم يوجد اتفاق كان لهيئة التحكيم ان تختار إجراءات التحكيم التي تراها مناسبة وعندما تتولي هيئة التحكيم مهمة تعيين إجراءات التحكيم لعدم اتفاق بين الأطراف على تنظيم المسائل الإجرائية او لاتفاق الأطراف على تفويض هيئة التحكيم القيام بهذا التحديد فان هيئة التحكيم تتمتع بنفس الحرية التي كانت متاحة للخصوم في هذا الشأن ومن ثم فانه يمكنها:

  1. ان تضع هيئة التحكيم بنفسها ولنفسها القواعد الإجرائية التي تراها مناسبة لظروف النزاع في كل مسالة في المسائل الإجرائية التي تصادفها مسيرة التحكيم ولها ان تضع هذه القواعد جملة عند اتصالها بالنزاع
  2. ولها ان تقرر اتباع النظام الاجرائي المعتمد في لائحة منظمة او مركز من منظمات او مراكز التحكيم الدائم

  3. ولها ان تقرر اتباع الإجراءات النافذة في قانون اجرائي لدولة معينة

    ولكن هناك قيود ترد على حرية هيئة التحكيم فيما يتعلق بتحديد إجراءات التحكيم

    في الواقع ان هناك قيود عملية تترجمها اعتبارات قانونية يتعين على المحكم مراعاتها من اجل ضمان الفاعلية الدولية للحكم فالمحكم لا يمكنه تجاهل القواعد الإجرائية الجوهرية في قانون مقر التحكيم او في قانون الدولة المرجح تنفيذ الحكم فيها ولذلك فان هذه النصوص هي التي تحدد حدود الحرية التي يتمتع بها المحكم في تعيين إجراءات خصومة التحكيم وعلى ذلك يمكن القول:

    ان القيد الأول: الذي يرد على حرية المحكم يتمثل في ضرورة مراعاة النصوص الإجرائية الامرة في قانون دولة مقر التحكيم حيث يمكن رفع دعوي بطلان التحكيم حال مخالفة القواعد الامرة في هذه الدولة

    والقواعد القانونية الامرة هي القواعد التي لا يجوز للأفراد الاتفاق على مخالفة حكمها ويقع باطلاً كل اتفاق على مخالفتها

وفقاً للمادة 22 من القانون المدني يسرى على قواعد الاختصاص وجميع المسائل الخاصة بالإجراءات قانون البلد الذي تقام فيه الدعوى أو تباشر فيه الإجراءات، ولا يغير من ذلك ما نصت عليه المادة 905من قانون المرافعات من أن الدعوى بإثبات النسب تُرفع وفقاً للأحكام والشروط وفى المواعيد التي ينص عليها قانون بلد من يطلب الانتساب إليه من الوالدين وتتبع في إثباتها القواعد التي يقررها القانون المذكور إذ لم يقصد بها، وعلى ما أفصحت عنه المذكرة الإيضاحية للقانون رقم 126 لسنة 1951، إلا أن تعين الأحوال التي تقبل فيها الدعوى التي يجب أن ترفع فيها، والقواعد التي تتبع في إثباتها، وهى مسائل تتصل بالحق موضوع النزاع اتصالاً لا يقبل الانفصام. (نقض جلسة 15/3/1967 س 18 مج فني مدني ص655)

يلجأ المشرع إلى هذا النوع من القواعد عند تنظيم الأمور التي تتصل بكيان المجتمع ومقوماته الأساسية وهذا يوجب عدم إفساح المجال للأفراد للاتفاق على مخالفة أحكامها سميت بهذا الاسم لأن الحكم الذي تتضمنه يصدر في صورة أمر أو نهي وتحد من حرية الافراد في الاتفاق على مخالفتها

مجال القانون الواجب التطبيق على المسائل الإجرائية في مجال التحكيم

  1. إذا تم تحديد القواعد القانونية التي تحكم إجراءات التحكيم سواء عن طريق الاتفاق بين الأطراف او بواسطة هيئة التحكيم او الرجوع الي لائحة مركز دائم من مراكز التحكيم او الرجوع الي قانون مقر التحكيم فان هذا القانون يتحدد مجال سريان احكامه ومن حيث الأصل فانه يسري علي كافة إجراءات التحكيم منذ بدايتها وحتى نهايتها ويعد تطبيق هذا القانون بمثابة التطبيق الطبيعي او العادي للقواعد القانونية في هذا المجال

    وعلي هذا النحو يحكم هذا القانون جميع الإجراءات ويحدد كيفية بدء خصومة التحكيم وتنظيم قواعد سير المرافعات وميعاد تقديم المستندات وسماع الشهود والخبرة والانابة في الحضور وتنظيم حقوق الدفاع وكيفية مراعاة مبدا المساواة بين الخصوم ومراعاة مبدا الواجهة في الإجراءات وتشكيل محكمة التحكيم ومكان التحكيم وكيفية رد المحكم او قيامه هو بالتنحي والعوارض التي تؤدي الي انقطاع سير الخصومة في التحكيم وكيفية اصدار حكم التحكيم والمسائل التي تثور في هذا الشأن من حيث المداولة وكتابة القرار وبياناته ولغته وميعاد صدوره وايداعه وإمكانية الطعن فيه وأسباب ذلك والمحكمة المختصة وغير ذلك من المسائل التي تتعلق بالإجراءات.

:ويتحدد نطاق القواعد الآمرة بأمرين

الأول: المواضيع التي تنظمها القواعد الآمرة: فهي تنظم المواضيع المتعلقة بكيان الدولة وما يحقق المصلحة العامة للجماعة ويبث الطمأنينة والاستقرار في نفوس الأفراد

الثاني: من حيث دورها في فروع القانون المختلفة، حيث نجد أن كل فروع القانون العام من القواعد الآمرة، أما فروع القانون الخاص فتتضمن كثيراً من هذا النوع إضافة إلى القواعد المكملة

والقيد الثاني: يتمثل في ضرورة احترام القواعد الإجرائية الامرة في قانون محل تنفيذ الحكم حيث يمكن رفض الاعتراف وتنفيذ الحكم

والقيد الثالث: يتمثل في إطار اتفاق التحكيم ذاته اذ يتعين على هيئة التحكيم احترام حدود السلطة المخولة لها في تنظيم إجراءات التحكيم ومن الثابت ان التجاوز في هذا الشأن انما هو امر غير مقبول ويسمح للطرف الصادر ضده الحكم ان يطعن في التحكيم بالبطلان امام السلطة المختصة في الدولة التي يراد فيها تنفيذ الحكم بالرغم من ان التحكيم قد يكن غير مخالف للقواعد الإجرائية السارية في قانون هذه الدولة

هشام عبد العظيم احمد السيد

  • محام بالاستئناف العالي ومجلس الدولة
  • ماجستير في القانون الدولي جامعة عين شمس
  • مؤلف كتاب إجراءات الدعوي التحكيمية وأسباب البطلان

Contact Us

Copyrights © 2022 MK Team Solutions | All rights reserved.